المحور الأول: الإيمان يدعو إلى العلم
1- مفهوم العلم: لغة
إدراك كنه الشيء وحقيقته. واصطلاحا:
مجموع المعارف المكتسبة بالدراسة, والتي يصل بها الباحث إلى مستوى الإحاطة بالأصول
والفروع في حقل من حقول المعرفة. وشرعا: ما أنزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم من وحي.
2- العلم دليل الإيمان: العلم في نظر الإسلام ليس مقابلا للإيمان, فضلا على أن
يكون معاديا له, كما شاعت هذه الفكرة في أوروبا في القرون الوسطى, حين وقفت
الكنيسة تؤيد الخرافة وتحارب العلم وتناصر الجمود والتقليد, وتقاوم التفكير الحر
والابتكار المبدع.
فالإسلام يرفض في بناء العقيدة ( التقليد والتبعية )
كقول من قالوا ( حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا ) المائدة 104, أو ( إنا أطعنا سادتنا
وكبراءنا ) الأحزاب 67.
ويأبى القرآن إلا أن تبنى العقائد على أساس البرهان
القائم على النظر العميق والتفكير الهادئ, قال تعالى: ( قل هاتوا برهانكم إن كنتم
صادقين ) البقرة 111. فتكررت في القرآن عبارات من مثل: ( أفلا تعقلون – أفلا
تتفكرون – أفلا ينظرون – أولم ينظروا – أولم يتفكروا- لقوم يعقلون – لقوم يعلمون –
يتفكرون...).
المحور الثاني: العلم يرسخ الإيمان ويقويه
يعتبر القرآن الكريم العلم الحق داعية إلى الإيمان ودليلا إليه, قال تعالى ( وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم) الحج/54. فهذه المعاني الثلاثة مترتب بعضها على بعض, فالعلم يتبعه الإيمان تبعية ترتيب بلا تعقيب, ليعلموا فيؤمنوا.
والإيمان تتبعه حركة القلوب من الإخبات والخشوع لله تعالى, وهكذا يثمر العلم الإيمان, ويثمر الإيمان الإخبات والتواضع لله تعالى.
وإذا أردنا بالعلم: العلم
بمفهومه الشائع اليوم وهو المادي القائم على المشاهدة الحسية والتجربة, فلا ننكر
أيضا قيمته وحاجة الناس إليه, فهو
مطلوب طلب الوسائل لا طلب الغايات, وهو يعين الإنسان على الحياة وييسر له سبلها,
ولكنه لا يستطيع إسعاد البشر, كما لا يمكنه أن يضبط سير البشر ويقاوم أنانية
الإنسان ونزعات نفسه الأمارة بالسوء.
المحور الثالث: لا تعارض بين العلم الصحيح
والإيمان الحق
العلم في نظر الإسلام دليل للعلم كما هو دليل للإيمان, وقد ترجم البخاري رحمه الله في كتابه عنوانا ( باب العلم قبل القول والعمل), واستدل لذلك بقوله تعالى: ( فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمومنين والمومنات) محمد/19. فبدأ بالعلم وثنى بالعمل, ورأس العلم معرفة الله تعالى وتوحيده, والخطاب وإن كان للنبي صلى الله عليه وسلم فهو متناول لأمته جميعا. قال تعالى ( إنما يخشى الله من عباده العلماء) فاطر/28.
وقد
قدم يوسف عليه السلام نفسه لملك مصر ليضعه حيث يجب أن يوضع مثله مشيرا إلى مؤهلاته
الشخصية وعلى رأسها الحفظ ( يعني الأمانة) والعلم, قال تعالى ( اجعلني على خزائن
الأرض إني حفيظ عليم) يوسف/55.
ملاحظة: نشأ العلم في الإسلام في أحضان الدين وأنشئت المدارس في صحون المساجد,
وبدأت الجامعات العريقة تحت سقوف الجوامع, بل سمي كل منها جامعا: جامع القرويين
بفاس, جامع الأزهر بالقاهرة, جامع الزيتونة بتونس... فكانت تدرس علوم الدين وعلوم
الدنيا معا, وكان كثير من العلماء التجريبيين علماء في الدين كابن رشد الحفيد
الفقيه مؤلف بداية المجتهد ونهاية المقتصد ومؤلف الكليات في الطب, والخوارزمي ألف
كتابه في علم الجبر ليحل به مشكلات في الوصايا والمواريث من أبواب الفقه....رحم
الله الجميع.