المحور الأول: مبدأ
الاستخلاف أساس عمارة الأرض
1- مفهوم
الاستخلاف: الخليفة هو النائب والقائم بالدور الموكول إليه نيابة عن غيره, والخلافة
تعني الخلافة عن الله تعالى لتنفيذ مراده في الأرض و إجراء أحكامه فيها. وقد هيأ
الله الإنسان لدوره الاستخلافي وأوكل إليه أمانة تعمير الأرض بالتقديس والتسبيح
والعبادة الطوعية الاختيارية, ومهمة إعمارها بالخير والحق والعدل. وجوهر هذه
المهمة هو أن يحصر الإنسان الخليفة همه وجهده في الاقتراب من الله تعالى عن طريق ترقية
ذاته وتنميتها حتى يبلغ درجة من الاكتمال المذكورة في قوله تعالى: ( يا أيها الانسان إنك كادح إلى
ربك كدحا فملاقيه ) الإنشقاق/6.
2- مفهوم عمارة
الأرض: العمارة
لغة من عمر المكان
أصلحه وبناه, وضده الهدم والخراب. واصطلاحا: تعمير الأرض بالعمل الصالح المادي والمعنوي المؤدي إلى
الانتفاع بخيراتها.
3- العلاقة
بينهما: يقوم
منهج تعمير الأرض على أساس الاستخلاف والإصلاح وإقامة العدل والحفاظ على الفطرة
الإنسانية عن طريق التعارف بين الأمم, قال جل شأنه: ( يا أيها الناس اتقوا ربكم
الذي خلقكم من نفس واحدة..) النساء/1. وقال: وجعلكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) سورة
الحجرات.
المحور الثاني: النهي عن
الإفساد في الأرض
قال تعالى: (قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون) البقرة 29. وقال أيضا: ( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس). وقال أيضا: ( ولا تفسدوا في الارض بعد إصلاحها).....
تشير هذه الآيات الكريمة إلى النهي عن الإفساد في الأرض, لأن العمران الذي يستند إلى السيطرة والسطوة وبسط القوة والنفوذ, عمران مآله الاضطراب والزوال لأنه لا ينتج إلا الصراع والدمار والخراب واستنزاف الثروات على حساب الفقراء.
لهذا يجب أن يرتبط العمران بالإيمان وتحقيق العدل, قال تعالى:( وعد الله
الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلكم
وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا, يعبدونني لا
يشركون بي شيئا) سورة النور:53.ولنا في الأمم السابقة التي دمرها الله خير دليل
على مآل الفساد والمفسدين ( قوم لوط, قوم فرعون, قوم عاد...) إلخ.
المحور الثالث: واجب
المؤمن عمارة الأرض وإصلاحها
تكون عمارة الأرض بالحياة والأنشطة وتشييد
المدن وإقامة المصانع والمنشآت والطرق, والاهتمام بالتجارة والاقتصاد والعلوم
والفنون..وجميع أنواع الأنشطة التي أباحها الله للإنسان بما لا يتعارض مع أسس الشريعة
ومقاصدها التي تدعو إلى حفظ الضرورات الخمس ( الدين, النفس, العقل, النسل
والمال).قال صلى الله عليه وسلم: ( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن
الضعيف, وفي كل خير, احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز, وإن أصابك شيء فلا
تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا, ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل, فإن لو تفتح عمل
الشيطان) رواه مسلم.
وقال: (إن قامت الساعة وبيد أحدكم
فسيلة فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل)رواه أحمد. في هذا الحديث مبالغة
في الحث على غرس الأشجار وحفر الآبار لتبقى هذه الدار عامرة إلى أمدها المحدود,
فكما غرس أسلافنا فانتفعنا, فواجب علينا أن نغرسها لينتفع بها غيرنا.
وقد ملك هذه الدنيا قبلنا أنبياء
وصالحون أمثال داوود وسليمان وذي القرنين ويوسف عليهم السلام, فإنهم وإن كانوا
ملوكا عظماء فإنهم لم ينسوا فضل الله عليهم ولقاءه, ولم تشغلهم الدنيا عن العمل
للآخرة.